الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
فمن الحوادث فيها: إغارة الكرك على جدة في البحر. وفيها: ولي عمر بن حفص بن عثمان بن أبي صفرة إفريقية وعزل عن السند وولي مكانه هشام بن عروة الثعلبي. وسبب عزل عمر: أنه لما خرج محمد وإبراهيم بعث إليه محمد بولده عبد الله في جماعة من أصحابه إلى السند بحجة خيل حملوها فلما عرضت عليه قال له بعضهم: أدنني منك. فلما أدناه قال له: إنما جئناك بما هو خير من الخيل فأعطنا أمانًا على خلتين: إما قبلت ما آتيناك به وإما سترت حتى نخرج من أرضك. فأعطاهم الأمان فقالوا: ما للخيل أتيناك به ولكن هذا ابن رسول الله صلى الله عليهوسلم عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن أرسله أبوه إليك وقد خرج بالمدينة ودعا لنفسه بالخلافة وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة وغلب عليها له. قال له: بالرحب والسعة ثم بايعهم وأمر به فتوارى عنده ودعا أهل بيته وقواده وكبراء أهل البلد إلى البيعة فأجابوهوقطع أعلامًا بيضاء وملابس بيضًا وهيأ لبسته من البياض يصعد فيها إلى المنبر وتهيأ لذلك يوم الخميس فجاءه الخبر بقتل محمد فدخل على ابنه فأخبره الخبر وعزاه فقال له: إن مكاني قد عرف ودمي في عنقك فقال: ها هنا ملك من ملوك السند كثير التبع وهو على شركهأشد الناس تعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رجل وفي فأرسل إليه فاعقد بينك وبينه عقدًا قال: أفعل فأرسل إليه فأظهر كرامةً وبرًا فخرج في أربعمائة من أصحابه يتصيد ويتنزه وبلغ الخبر المنصور فعزل عمر وولى هشامًا وقال له: إن أسلم ذلك الملك عبد الله بن محمد وإلا حاربه وكتب إلى عمر بولاية إفريقية فكان هشام يدفع عن عبد الله ويتمادى في أمره فخرجت خارجة ببلاد الشام فبعث إليهم أخاه فبينا هو يسير إذ هو برهج فظنهم مقدمات العدو الذي يقصده فوجه طلائعه فقالوا: ليس بعدوك ولكن عبد الله بن محمد ركب متنزهًا فمضى يريده فقال له نصاحه: هذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علمتأن أخاك قد تركه مخافة أن يبوء بدمه ولم يقصدك. فأعرض عنه فقال: لا أدع حظي من التقرب من المنصور بأخذه أو قتله فقصده وكان في عشرة آلاف فقاتله فقتل عبد الله وأصحابهكلهم فكتب بذلك إلى المنصور فشكره وأمره بمحاربة الملك الذي آواه فحاربه وظفر به وقتله.وكان عبد الله قد اتخذ بحضرة ذلك الملك جواري فأولد منهن جارية فحملها وابنها إلى المنصور فأمر أن يسلم إلى أقربائه. وفي هذه السنة قدم المهدي من خراسان في شوال على المنصور فوفد إليه عامة أهل بيته من كل بلد يهنئونه فأجازهم وكساهم وحملهم وفعل بهم المنصور مثل ذلك واجرى على كل رجل منهم خمس مائة درهم. وفي هذه السنة: ابتدأ المنصور ببناء الرصافة في الجانب الشرقي من مدينة السلام لابنه المهدي. وكان السبب في ذلك: أن الراوندية لما حاربوا المنصور على باب الذهب دخل عليهم قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس وهو يومئذٍ شيخ كبير ومقدم عند القوم فقال له أبو حعفر: أما ترى ما نحن فيه من التياث العسكر علينا قد خفت أن تجتمع كلمتهم فيخرج هذا الأمر من أيدينا فما ترى فقال: يا أمير المؤمنين عندي في هذا رأي وإن تركتني أمضيه صلحت لك خلافتك وهابك جندكفقال: أفتمضي في خلافتي بشيء لا تعلمني ما هو فقال له: إن كنت عندك متهمًا على دولتك فلا تشاورني وإن كنت مأمونًا عليها فدعني أمضي رأيي قال: فقال له المنصور: أمضه قال فانصرف قثم إلى منزله فدعى غلامًا له فقال له: إذا كان غدًا فتقدمني فاجلس في دار أمير المؤمنين فإذا رأيتني قد دخلت وتوسطت أصحاب المراتب فخذ بعنان بغلتي واستوقفني واستحلفني بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحق العباس وبحق أمير المؤمنين لما وقفت لك وسمعت مسألتك وأجبتك عنها فإني سأنتهرك وأغلظ لك فلا يهولنك ذلك مني وعاودني بالقول والمسألة فإني سأضربك بالسوط فلا يشق عليك ذلك وقل: أي الحيين أشرف أهل اليمن أو مضر فإذا أجبتك فخل عنان بغلتي وأنت حر فغدا الغلام فجلسحيث أمره فلما جاء فعل ما أمره به إلى أن قال: أي الحيين أشرف أهل اليمن أو مضر فقال له قثم: مضر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها كتاب الله عز وجل وفيها بيت الله ومنها خلبفة الله. قال: فامتعضت أهل اليمن إذ لم يذكر لها شيئًا من شرفها فقال قائل من قواد أهل اليمن لغلامه: قم فخذ بعنان بغلتي الشيخ فكبحها كبحًا عنيفًا تطأ من به ففعل الغلام حتى كاد يقيعها على عراقيبها فامتعضت من ذلك مضر وقالت: أيفعل هذا بشيخنا وأمر رجل منهم غلامه فقال: اقطع يد العبد فقام ذلك إلى غلام اليماني فقطع يده فتفرق الحيانوصرف قثم بغلته فدخل على أبي جعفر وافترق الجند وصارت مضر فرقة واليمن فرقة وربيعة فرقة والخراسانية فرقة فقال قثم لأبي جعفر: قد فرقت بين جندك وجعلتهم أحزابًا كل حزب منهم يخاف أن يحدث عليك حدثًا فتضربه بالحزب الأخر وقد بقي عليك في التدبير بقية قال: وما هي قال: اعبر بابنك فابن له من ذلك الجانب قصرًا وحول معه من جيشكقومًا فيصير ذلك بلدًا وهذا بلدًا فإن فسد عليك أهل هذا الجانب ضربتهم بأهل ذلك الجانب فإن فسدت عليك مضر ضربتها باليمن وربيعة وخراسانية وإن فسدت عليك اليمن ضربتها بمنأطاعك من مضر وغيرها. فقبل رأيه وأمرهم فاستوى له ملكه وكان سبب البناء في الجانب الشرقي فبنى الرصافة للمهدي وعمل لها سورًا وخندقًا وميدانًا وبستانًا وأجرى له الماءوأقطع القواد هناك قطائع و تولى صالح صاحب المصلى القطائع في الجانب الشرقي وفعل كفعل أبي العباس الطوسي في فصول القطائع في الجانب الغربي. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن علي بن مخلد الوراق قال: حدثنا محمد بن جعفر التميمي قال: حدثنا الحسن بن محمد السكوني قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثنا أحمد بن محمد الشروي عن أبيه قال: قدم المهدي من المحمدية بالري سنة إحدى وخمسين ومائة في شوال ووفدت إليه الوفود وبنى له المنصور الرصافة وعمل لها سورًا وخندقًا وميدانًا وبستانًا وأجرى لها الماء. قال ابن خلف: وقال يحيى بن حسن: كان بناء المهدي بالرهوص إلاما كان يسكنه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيرمي قال: أنبأنا محمد بن عمران المرزباني قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: أخبرني محمد بن موسى المنجم أن المعتصم وابن أبي دؤاد اختلفا في مدينة أبي حعفر والرصافة أيهما أعلى قال: فأمر بي المعتصم فوزنتهما فوجدت المدينة أعلى من الرصافة بذراعين وثلثي الذراع. أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: وقيل إن الدروب والسكك أحصيت ببغداد فكانت ستة آلاف درب وسكة بالجانب الغربي وأربعة آلاف درب وسكة بالجانب الشرقي. وفي هذه السنة: جدد المنصور البيعة لنفسه ولابنه المهدي من بعده ولعيسى بن موسى من بعد المهدي على أهل بيته في مجلسه في يوم جمعة قد عمهم الإذن فيه فكان كل من بايعه منهم يقبل يده ويد المهدي ثم يمسح على يد عيسى بن موسى ولا يقبل يده. وفي هذه السنة: غزا الصائفة عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد. وفيها: شخص عقبة بن سلم من البصرة واستخلف عليها ابنه نافع بن عقبة على البحرين فقتل سليمان بن حكيم العبدي وسبى أهل البحرين وبعث ببعض من سبى منهم إلى أبي جعفر فقتل منهم عدة ووهب بقيتهم للمهدي فمن عليهم وأعتقهم وكسا كل إنسان منهم ثوبين مروريين ثم عزل عقبة عن البصرة.وفيها: ولى أبو حعفر معن بن زائدة سجستان وحميد بن قحطبة خراسان وقد كان المنصورطلب معنًا ليهلكه ثم أمنه وولاه. أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال: أنبأنا علي بن أبي علي البصري عن أبيه قال: أخبرنا أبو الفرج بن علي بن الحسين القرشي قال: أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثنا محمد بن نعيم البلخي قال: حدث مروان بن أبي حفصة قال: كان المنصور قد طلب معن بن زائدة الشيباني طلبًا شديدًا وجعل فيه مالًا فحدثني معن باليمن أنه اضطر لشدة الطلب حتى قام في الشمس حتى لوحت وجهه وخفف عارضه ولحيته ولبس جبة صوف غليظة وركب حملًا من حمال النقالة وخرج ليمضي إلى البادية وقد كان أبلى في حرب بين يدي عمر بن هيبرة بلاءً عظيمًا فغاظ المنصور في طلبه قال معن: فلما خرجت من باب حرب تبعني أسود متقلد سيفًا حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه وقبض علي فقلت: مالك فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين فقلت: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين فقال: أنت معن بن زائدة فقلت: يا هذا اتق الله و أين أنا من معن بن زائدة فقال: دع ذا عنك فأنا والله أعرف بك من نفسك فقلت له:إن كان كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاء بي فخذه ولا تسفك دمي قال: هاته فأخرجته إليه فنظر إليه ساعة وقال: صدقت في قيمته ولست نائله حتى أسألك عن شيء فإن صدقتني أطلقتك قلت: قل قال: فإن الناس قد وصوفك بالجود فأخبرني هل وهبت قط مالك كله قلت: لا قال: فنصفه قلت: لا قال: فثلثه قلت: لا حتى بلغ العشر فاستحييت فقلت: أظن إني قد فعلت ذلك قال: ما أراك فعلته أنا والله رجل راجل رزقي مع أبي جعفر عشرون درهمًا وهذا الجوهر قيمته آلاف الدنانير وقد وهبته لك ووهبتك نفسك لجودك المأثور بين الناس ولتحتقر بعد هذا كل شيء تفعله ولا تتوقف في مكرمة ثم رمى بالعقد في حجري وخلى خطام البعير وانصرف فقلت: يا هذا قد والله فضحتني ولسفك دمي أهون علي مما فعلته فخذ ما دفعته إليك فإني غني عنه فضحك وقال: أردت أن تكذبني في مقامي هذا والله لا آخذه لا أتخذ لمعروف ثمنًا أبدًا ومضى فو الله لقد طلبته بعد أن أمنت وبذلت لمن جائني به ما شاء فما عرفت له خبرًا. وفيها: حج بالناس محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان هو العامل على مكة والطائف وكان على المدينة الحسن بن زيد وعلى الكوفة محمد بن سليمان وعلى البصرة جابر بن توبة الكلابي وعلى قضائها سوار بن عبد الله وعلى مصر يزيد بن حاتم. أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا ابن صفوان قال: أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثني محمد بن عمر بن علي قال: حدثنا سعيد بن عامر قال: حدثنا حزم قال: لنا أشعث الحداني: انطلقوا إلى حبيب أبي محمد نسلم عليه قال: وذاك عند ارتفاع النهار فانطلقنا معه نسلم فخرج حبيب فأخذوا في البكاء فما زالوا يبكون حتى حضرت الظهر فصلينا ثم أخذوا في البكاء فما زالوا يبكون حتى حضرت العصر. قال: فصلينا العصر فما زالوا يبكون حتى حضرت المغرب ثم أدنينا حماره فركب فقال لنا: إن ناسًا ينهون عن هذا أفأطيعهم قلنا: أنت أعلم قال: إذًا والله لا أطيعهم. جعفر الأكبر ابن المنصور:كان يتولى إمارة الموصل ات في حياة أبيه. حميد بن جابر الشامي الأمير: أخبرنا محمد بن ناصر والمبارك بن علي قالا: أخبرنا علي بن محمد بن العلاف قال: أخبرنا علي بن أحمد الحمامي قال: أخبرنا جعفر بن محمد الخواص قال: حدثنا إبراهيم بن نصر مولى منصور بن المهدي قال: حدثني إبراهيم بن يسار قال: كنت يومًا من الأيام مارًا مع إبراهيم بن أدهم في صحراء إذ أتينا على قبر مسنم فوجم عليه وبكى فقلت: من هذا قال: قبر حميد بن جابر أمير هذه المدائن كلها كان غرقًا في بحر الدنيا أخرجه الله منها واستنقذه لقد بلغني أنه سر ذات يوم بشيء من ملاهي ملكه ودنياه وغروره ثم نام في مجلسه ذلك مع من يخصه من أهله فرأى رجلًا واقفًا على رأسه بيده كتاب فناوله إياه ففتحه وقرأه فإذا فيه مكتوب بالذهب: لا تؤثرون فانيًا على باق ولا تغتر بنلكك وسلطانك وعبيدك ولذاتك فإن الذي أنت فيه جسيم لولا أنه عديم وهو ملك لولا أن بعده هلك وهو فرح وسرور لولا أنه لهو وغرور وهو يوم لو كان يوثق فيه بغدٍ فسارع إلى أمر الله عز وجل فإن الله قال: فخرج من ملكه إذ لا يعلم به وقصد هذا الجبل فتعبد فيه فلما بلغني قصته وحدثت بأمره قصدته فسألته فحدثني ببدء أمره فما زلت أقصده حتى مات ودفن ها هنا فهذا قبره.حسان بن أبي سنان: روى عن الحسن البصري وأنس وثابت.أنبأنا أبو القاسم الجريري قال: أخبرنا أبو طالب العشاري قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا غسان بن الفضل قال: حدثنا شيخ لنا يقال له أبو حكيم قال:خرج حسان بن سنان يوم العيد فلما رجع قالت له امرأته: كم امرأة قد حسنة رأيت اليوم فلما أكثرت قال: ويحك ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك. قال أبو بكر القرشي: وحدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال: أخبرنا عبد الله قال: كتب غلام لحسان بن أبي سنان إليه من الأهواز: إن قصب السكرأصابته آفة فاشتر السكر فيما قبلك. فاشترى من رجل فلم يأت عليه إلا قليل فإذا فيمااشترى ربح ثلاثين ألفًا. قال: فأتى صاحب السكر فقال: يا هذا إن غلامي كان كتب إلي ولم أعلمك فأقلني فيما اشتريت منك قال الآخر: قد أعلمتني الآن وطيبة لك. فرجع فلم يحتمل قلبه فأتاه فقال: يا هذا إني لم آت الأمر من وجهه فأحب أن تسترد هذا البيع فما زال به حتى رده عليه. وقال عاصم بن فرقد: دخلنا على حسان بن أبي سنان وقد حضره الموت فقال له - بعض - إخوانه: كيف تجدك قال: أجدني بحال الموت قال: أفتجد يا أبا عبد الله كربًا شديدًا قال: فبكى ثم قال: - إن ذلك ثم قال: إن ذلك ثم قال: - ينبغي للمؤمن أن يسلو عن كرب الموت وألمه لما يرجو من السرور في لقاء الله - عز وجل -يكنى أبا عون مولى عبد الله بن درة المزني: كان ثقة ورعًا. أنبأنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا الحسن بن علي قال: أخبرنا بن عمرو بن حيوية قال: اخبرنا أحمد بن معروف قال: حدثنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا بكار قال: ما رأيت ابن عون يمازح أحدًا ولا يماري أحدًا - ولا ينشد شعرًا -وكان مشغولًا بنفسه وكان إذا صلى صلاة الغداة مكث مستقبل القبلة في مجلسه يذكر الله فإذا طلعت عليه الشمس صلى ثم أقبل على أصحابه وما رأيته شاتمًا أحدًا قط عبدًا ولا أمة ولا دجاجة ا شاة ولا رأيت أحدًا أملك للسانه منه وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا حتى مات وما رأيت بيده دينارًا ولا درهمًا قط وما رأيته يزن شيئًا قط وكان إذا توضأ لا يعينه عليه أحد وكان يمسح وجهه إذا توضأ بالمنديل أو بخرقة وكان طيب الريح لين الكسوة وكان إذا خلا في منزله صمت ولا يزيد على الحمد لله ربنا وما رأيته دخل حمامًا قط وكان إذا وصل إنسانًا بشيء وصله سرًا وإن صنع شيئًا صنعه سرًا يكره أن يطلع عليه أحد وكان له سبع يقرأه كل ليلة فإذا لم يقرأه بالليل أتمه بالنهار وكان يحفي شاربه وكان يأخذه أخذًا وسطًا وكان في مرضه اصبر من رأيت ما رأيته يشكو شيئًا من علته حتى مات في رجب هذه السنة.وروى حماد بن زيد عن ابن عون قال: كانت له حوانيت يكريها وكان لا يكريها من المسلمين فقيل له في ذلك فقال: إن لهذا إذا جاء رأس الشهر روعه وأنا أكره أن أروع المسلم. عثمان بن عطاء الخراساني: يروي عن عبد الله بن وهب سكن فلسطين وتوفي في هذه السنة.
فمن الحوادث فيها غزوة حميد بن قحطبة كابل وغزوة محمد بن إبراهيم الصائفة. وفيها: عزل المنصور جابر بن توبة عن البصرة وولاها يزيد بن منصور. وفيها قتل أبو جعفر هاشم بنالأشتاخنج وكان قد عصى وخالف بإفريقية فحمل إليه فقتله بالقادسية وهو متوجه إلىمكة. وفيها: عزل يزيد بن حاتم عن مصر وولاها محمد بن سعيد. وفيها: حج بالناس المنصور واستعدى عليه حمالون وحضر معهم عند الحاكم محمد بن عمران الطلحي فحكم لهم عليه وسنذكر القصة في حديث ابن عمران بعد ثلاث سنين. وكان العمال على الأمصار في هذه السنة العمال في السنة الماضية إلا البصرة ومصر فإن عامل البصرة كان يزيد بن منصور.
واسم أبي عبلة شمر بن يقطان أبو إسماعيل القيسي ثم العقيلي: من أهل فلسطين سمع من ابن عمر وغيره وسمع منه ابن المبارك والليث بن سعد وتوفي في هذه السنة. أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: اخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرني رجل عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: بعث إلي هشام بن عبد الملك فقال: يا إبراهيم إنا قد عرفناك صغيرًا وخبرناك كبيرًا ورضينا بسيرتك وحالك وقد رأيت أن أخلطك بنفسي وبخاصتي وأشركك في عملي وقد وليتك خراج مصر فقال: أما الذي عليه رأيك يا أمير المؤمنين فالله يجزيك ويثيبك وكفى به جازيًا ومثيبًا وأما الذي - أنا - عليه فمالي بالخراج تصرف ومالي عليه قوة. فغضب حتى اختلج وجهه ثم قال: ليلين طائعًا أو ليلين كارهًا فأمسكت عن الكلام حتى رأيت غضبه قد انكسر وثورته قد طفئت فقلت: يا أمير المؤمنين أأتكلم فقال: نعم فقلت: إن الله سبحانه قال فيكتابه {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} الآية. والله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أبين ولا أكرههن إذ كرهن وما أنا بحقيق أن تغضب ي إذ أبيت ولا تكرهني إذ كرهت فضحك وقال: يا إبراهيم أبيت إلا رفقًا فقد أعفيناك ورضينا عنك.خويل بن محمد الأزدي: أخبرنا محمد بن أبي منصور وعلي بن عمر قالا: أخبرنا رزق الله وطراد قالا: أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال: اخبرنا ابن صفوان قال: حدثنا أبو بكر بن عبيد قال: حدثني محمد بن سهيل الأزدي عن الهيثم بن عبيد قال: سمعت خويل بن محمد - وكان عابدًا - يقول: كأن خويلًا قد وقف للحساب فقيل: يا خويل قد عمرناك ستين سنة فما صنعت فيها فجمع نوم ستين سنة مع قائلة النهار فإذا قطعة من عمري قد ذهبت في نوم وجمعت ساعات أكلي فإذا قطعة من عمري قد ذهبت في الأكل ثم جمعت ساعات وضوئي فإذا قطعة من عمري ذهبت فيه ثم نظرت في صلاتي فإذا صلاة منقوصة وصوم مخرق فما هو إلا عفو الله أو الهلكة. محمد بن إسحاق بن يسار بن حبانوقيل: ابن يسار بن كوثان المديني مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف: وقال مصعب بن عبد الله: يسار مولى عبد الله بن قيس بن مخرمة جد محمد بن إسحاق من سبي عين التمر وهو أول سبي دخل المدينة من العراق يكنى أبا بكر وقيل: أبا عبد الله. رأى أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وسمع القاسم بن محمد بن أبي بكر - الصديق - وأبان بن عثمان بن عفان ومحمد بن علي بن الحسين وأبا سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ونافعًا مولى ابن عمر والزهري وغيرهم. وكان عالمًا بالسير والمغازي وأيام الناس والمبتدأ وقصص الأنبياء. وحدث عنه كبار الأئمة كيحيى بن سعيد - الأنصاري وسفيان الثوري وابن جريج وشعبة والحمادان وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وشريك - بن عبد الله وغيرهم. قال الزهري: لا يزال بالمدينة علم جم ما كان فيهم ابن إسحاق.وقال يحيى بن معين: كان محمد بن إسحاق ثقة وضعفه في روايته. ولما روى ابن إسحاق عم فاطمة بنت المنذر حديثًا قال زوجها ام بن عروة: كذب لقد دخلت بها وهي بنت تسع سنين وما رآها مخلوق حتى لحقت بالله عز وجل. وكان أحمد بن حنبل يقول: لعله دخل عليها وزوجها لا يعلم. وكان مالك بن أنس كذبه أيضًا أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غيرواحد من العلماء لأسباب منها أنه قد يتشيع وينسب إلى القدر ويدلس في حديثه فأما الصدق فليس بندفوع عنه. وقد قال أبو زرعة: محمد بن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ منه وقد اختبره أهل الحديث فرأوه صدقًا وخيرًا مع مدح ابن شهاب له وقد ذاكرت دحيمًا في قول مالك فيه فرأى أن ذلك ليس للحديث إنما هو لأنه اتهمه بالقدر. وقد قال محمد بن عبد الله بن نمير: كان ابن إسحاق يرمي بالقدر وكان أبعد الناس منه وكان إذا حدث عمن سمع من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة.وقال سفيان بن عيينة: ما رأيت أحدًا يتهم ابن إسحاق. وقال ابن المديني: حديثه عندي صحيح قيل له: فكلام مالك فيه فقال: مالك لم يجالسه ولم يعرفه قيل: فهشام بن عروة فقال: الذي قال هشام ليس بحجة لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها. وقال أحمد بن حنبل:ابن إسحاق كان يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه. وكان أحمد يكتب حديثه ولا يحتج به في السنن. وقال ابن المديني ويحيى بن معين والساجي: توفي سنة اثنتين وخمسين ومائة. وقال الهيثم بن عدي والفلاس وابن عرفة: سنة خمسين ومائة. وقال أحمد بن مسعر بن كدام بن ظهير أبو سلمة: سمع أبا إسحاق الهمذاني. روى عنه الثوري وشعبة. وكان عالمًا عابدًا كثير البكاء. قال سفيان الثوري: لم يكن في زمانه مثله.وقال سفيان بن عيينة: ما لقيت أحدًا أفضله على مسعر، -أخبرنا بن ناصر قال: - أخبرنا المبارك بن عبد الجبار: قال: أخبرنا شجاع بن فارس قال: أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا ابن صفوان قال: حدثنا ابن أبي الدنيا قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا محمد بن كناسة قال: سمعت مسعرًا يقول: من أهمته نفسه تبين ذلك عليه. أخبرنا زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو بكر بن الحسين البيهقي قال: حدثنا أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله الحاكم قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال: سمعت الحسين بن منصور قال: سمعت جعفر بن عبد الرحمن يقول: أتيت مسعرًا بن كدام لأسمع منه فكأنه رجل - قد - أقيم على شفير جهنم ليلقى فيها. أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: حدثنا أبو نعيم الأصفهاني قال: حدثنا أبو محمد بن حيان قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح قال: حدثني الحسين بن مسلم قال: حدثنا أحمد بن داود الحراني قال سمعت مسعر بن كدام يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وسفيان الثوري آخذ بيده وهما يطوفان فقال: يا رسول الله مات مسعر بن كدام قال: نعم واستبشر به أهل السماء. توفي مسعر بالكوفة في هذه السنة وقيل: في سنة خمس وخمسين ومائة.معن بن زائدة ن عبد الله بن مطر بن شريك أبو الوليد الشيبانيكان من صحابة المنصور ببغداد لما بنيت ثم ولاه اليمن وغيرها وكان جوادًا. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد - القزاز - قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنيالأزهري قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال: حدثنا عبد الله بن جعفر النحوي قال: حدثنا القاسم بن المغيرة قال: حدثنا المدائني عن غياث بن إبراهيم: أن معن بن زائدة دخل على أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين ارب في خطوه فقال أبو جعفر: كبرت سنك يا معن قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين قال: إنك لجلد قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين قال: وإن فيك لبقية قال: هي لك. أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أحمد بن عمر بن روح لنهروانيقال: أخبرنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا عمر بن الحسين بن علي الشيباني قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال: حدثنا قعنب قال: قال سعيد بن سلم: لما ولى المنصور معن بن زائدة أذربيجان قصده قوم من أهل الكوفة فلما صاروا ببابه واستأذنوا عليه فدخل الآذن فقال: أصلح الله الأمير بالباب وفد من أهل العراق قال: من أي العراق قال: من الكوفة قال إئذن لهم فدخلوا عليه فنظر إليهم معن في هيئة زرية فوثب على أريكته وأنشأ يقول: إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم ** مردتها فالدهر بالناس قلب فأحسن ثوبيك الذي هو لابس ** وأفره مهريك الذي هو يركب وبادر بنعروف إذا كنت قادرًا ** زوال اقتدار أو غنى عنك يعقب قال: فوثب إليه رجل من القوم فقال: أصلح الله الأمير ألا أنشدك أحسن من هذا قال: لمن قال: لابن عمك ابن هرمة قال: هات فأنشأ وجعل يقول: وللنفس تارات تحل بها العرى ** وتسخو عن المال النفوس الشحائح إذا المرء لم ينفعك حيًا فنفعه ** أقل إذا ضمت عليك الصفائـــح لأية حال يمنع المرء ماله ** غدًا فغدا والموت غاد ورائـــــح فقال معن: أحسنت والله وإن كان الشعر لغيرك يا غلام أعطهم أربعة آلاف يستعينوا بها على أمورهم إلى أن يتهيأ لنا فيهم ما نريد فقال الغلام: يا سيدي أجعلها دنانير أم دراهم فقال معن: والله لا تكون همتك أرفع من همتي صفرها لهم. قال المعافى: وحدثنا يزداد بن عبدالرحمن الكاتب قال: حدثنا و موسى عيسى بن إسماعيل البصري قال: حدثني العتبي قال: قدم معن بن زائدة بغداد فأتاه الناس وأتاه ابن أبي حفصة فإذا المجلس غاص بأهله فأخذبعضادتي الباب فقال: وما أحجم الأعداء عنك بقية ** عليك ولكن لم يروا فيك مطمعًا له راحتان الجود والحتف فيهما ** أبى الله إلا أن تضر وتنفعا فقال معن: احتكم يا أبا السمط فقال: عشرة آلاف فقال معن: ربحت والله - عليك - تسعين ألفًا. أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: - أخبرنا ابن دريد قال: - أخبرنا أبو عثمان الأشنانداني عن الثوري عن أبي عبيدة قال: وقف شاعر بباب معن بن زائدة حولًا لا يصل إليه وكانمعن شديد الحجاب فلما طال مقامه سأل الحاجب أن يوصل له رقعة فأوصلها فإذا فيها مكتوب:فألقى معن الرقعة إلى كتابه وقال: أجيبوه عن بيته: فخلطوا وأكثروا ولم يأتوا بنعنى فأخذ الرقعة وكتب فيها: إذا كان الجواد قليل مال ** ولم يعذر تعلل بالحجاب فقال الشاعر: إنا لله أيؤيسني من معروفه ثم ارتحل منصرفًا فسأل معن عنه فأخبر بانصرافه فأتبعه بعشرة آلاف وقال: هي عندنا في كل زورة. أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرني الحسين بن محمد بن عثمان النصيبي قال: أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا أبو معاذ خلف بن أحمد المؤدب قال: حدثنا أبو عثمان المازني قال: حدثنا صاحب شرطة معن قال: بينا أنا على رأس معن إذا هوبراكب يوضع فقال معن: ما أحسب هذا رجل يريد إلا إياي ثم قال لحاجبه: لا تحجبه فجاء حتى مثل بين يديه فقال: أصلحك الله قل ما بيدي ** فما أطيق العيال إذ كثروا ألح دهر رمى بكلكله ** فأرسلوني إليك وانتظروا فقال معن وأخذته أريحية: لا جرم والله لأعجلن أوبتك ثم قال: يا غلام ناقتي الفلانية وألفدينار فدفعها إليه وهو لا يعرفه. أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنيالأزهري قال: حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد المقري قال: حدثنا أبو طالب الكاتب قال: حدثنا أبو عكرمة الضبي قال: حدثنا سليمان قال: خرج المهدي يومًا يتصيد فلقيه الحسين بن مطير فأنشده يقول: أضحت يمينك من جود مصورة ** لكن يمينك منها صور الجود من حسن وجهك تضحي الأرض مشرقة ** ومن بنانك يجري الماء في العود فقال المهدي: كذبت يا فاسق وهل تركت في شعرك موضعًا لأحد مع قولك في معن بن زائدة: ألما بنعن ثم قولا لقبره ** سقتك الغوادي مربعًا ثم مربعًـــــا فيا قبر معن كنت أول حفرة ** من الأرض حطت للمكارم مضجعًا أيا قبر معن كيف واريت جوده ** وقد كان منه البر والبحر متـرعًا ولكن حويت الجود والجود ميت ** ولو كان حيًا ضقت حتى تصدعًا وما كان إلا الجود صورة وجهه ** فعاش ربيعًا ثم ولى فودعـــا فلما مضى معن مضى الجود والندى** وأصبح عرنين المكارم أجدعا فأطرق الحسين ثم قال: يا أمير المؤمنين وهل معن إلا حسنة من حسناتك. فرضي عنه وأمر له بلغنا أن بعض فصحاء العرب دخل على معن فقال: أصلح الله الأمير لو شئت أن أتوسل إليك ببعض من يثقل عليك لوجدت ذلك سهلًا ممكنًا ولكني استشفعت إليك بقدرك واستعنت عليك بفضلك فإن رأيت أن تضعني من كرمك حيث وضعت نفسي من رجائك فإني لم أكرم نفسي عن مسألتك فأكرم وجهك عن ردي قال: سل حاجتك قال: ألف درهم قال: ربحت عليك ربحًا بينًا قال: مثلك لا يربح على سائله قال: أضعفوا له ما سأل. أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا ابن الفضل القطان قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: قتل معن بن زائدة بأرض خراسان سنة اثنتين وخمسين ومائة.قال الخطيب: بلغني أن المنصور ولاه سجستان فنزل بست فأساء السيرة في أهلها فقتلوه. وقال غيره: قتلته الخوارج بسجستان. يونس بن يوسف أبو عمر بن حماس وقيل: يوسف: وكان عابدًا مجتهدًا يصوم الدهر ويقوم الليل وكان مستجاب الدعوة. أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي قال: أخبرنا أبو عبد الله بن علي العميري قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن محمد القاضي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يوسف المرواني قال: حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثنا أبو ضمرة عاصم بن أبي بكر الزهري قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كان يونس بن يوسف من العباد - أو - قال -: من خيار الناس - فأقبل ذات يوم وهو رائح من المسجد فلقيته امرأة فوقع في نفسه منها فقال: اللهم إنك جعلت لي بصري نعمة وقد خشيت أن تكون علي نقمة فاقبضه يك. قال: فعمي وكان يروح إلى المسجد يقوده ابن أخ له فإذا استقبل به الأسطوانة اشتغل الصبي بلعب مع الصبيان فإن أتته حاجة حصبه فأقبل إليه فبينا هو ذات ضحوة في المسجد إذ حس في بطنه بشيء فحصب الصبي فاشيغل عنه مع الصبيان حتى خاف الشيخ على نفسه فقال: اللهم إنك كنت جعلت لي بصري نعمة وخشيت أن يكون نقمة فسألتك فقبضته إليك وقد خشيت الفضيحة فرده - علي -. فانصرف إلى منزله صحيحًا يمشي. قال مالك: فرأيته أعمى ورأيته صحيحًا.
فمن الحوادث فيها قدوم المنصور من مكة إلى البصرة فجهز جيشًا إلى البحر لحرب الكرك وكانوا أغاروا على جده وهذه قدمته الأخيرة إلى البصرة. وقيل: إنما كانت قدمته الأخيرة في سنة خمس وخمسين ومائة وكانت الأولى في سنة خمس وأربعين وأقام بها أربعين يومًا وبنى بها قصرًا ثم انصرف منها إلى مدينة السلام. وفيها: غضب المنصور على أبي أيوب المرزباني فحبسه وحبس أخاه وبني أخيه سعيدًا ومسعودًا ومخلدًا ومحمدًا فطالبهم وكان سبب ذلك أن أبان بن صدقة كاتب أبي أيوب سعى به إليه.وفيها: قتل عمر بن حفص بن عثمان بن أبي صفرة بإفريقية قتله أبو حاتم الإباضي ومن كانمعه من البربر وكانوا ثلاثمائة ألف وخمسين ألفًا الخيل منها خمسة وثمانون ألفًا ومعهم أبو قرة الصفري في أربعين ألفًا وكان يسلم عليه بالخلافة. وفيها: حمل عباد مولى المنصور وهرثمة بن أعين ويوسف بن علوان من خراسان في سلاسل عصبهم لعيسى بن موسى. وفيها: أخذ المنصور الناس بلبس القلانس الطوال المفرطة الطول فقال أبو دلامة: وكنا نرجي من إمام زيادة ** فزاد الإمام المصطفى في القلانس تراها على هام الرجال كأنها ** دنان يهودٍ جللت بالبرانس وفيها: غزا الصائفة معيوف بن يحيى الهمداني فصار إلى حصن من حصون الروم ليلًا وأهلهنيام فسبى وأسر من كان فيه ثم سار إلى اللاذقية وفتحها وأخرج منها ستة آلاف امرأة سوى الرجال البالغين. وفيها: ولى المنصور بكار بن مسلم العقيلي - أرمينية -. وفيها: حج بالناسالمهدي وكان على مكة يومئذ محمد بن إبراهيم وعلى المدينة الحسن بن زيد بن حسن وعلىالكوفة محمد بن سليمان وعلى البصرة يزيد بن منصور وعلى قضائها سوار وعلى مصر محمد بن سعيد. وذكر الواقدي أن يزيد بن منصور كان والي اليمن في هذه السنة. إبراهيم بن نشيط بن يوسف ويكنى أبا بكر: كان فقيهًا عابدًا رأى عبد الله بن الحارث وسمع منه وغزا القسطنطينية في خلافة الوليد بن عبد الملك في سنة ثمان وتسعين مع مسلمة بن عبد الملك.وروى عنه الليث بن سعد وابن المبارك ورشد بن سعد وابن وهب. توفي هذه السنة. حيوة بن شريح بن صفوان بن مالك أبو زرعة التجيبي: روى عن عقبة بن مسلم وكان فقيهًا عابدًا مجاب الدعوة. روى عنه الليث وابن المبارك وابن لهيعة وابن وهب.قال ابن المبارك: ما وصف لي أحد فرأيته إلا كان دون ما وصف إلا حيوة بن شريح فإنرؤيته كانت أكثر من صفته. أخبرنا عبد الله بن علي المقري ومحمد بن ناصر قالا: أخبرنا طراد علي بن محمد بن بشران قال: أخبرنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني أحمد بن سهل الأزدي قال: حدثني خالد بن الفرز قال: كان حيوة بن شريح دعاء من البكائين وكان ضيق الحال جدًا فجلست إليه ذات يوم وهو مختلٍوحده يدعو فقلت: رحمك الله لو دعوت الله يوسع عليك في معيشتك قال: فالتفت يمينًا وشمالًا فلم ير أحدًا فأخذ حصاة من الأرض فقال: اللهم اجعلها ذهبًا قال: فإذا هي والله قبرة في كفه ما رأيت أحسن منها قال: فرمى بها إلي وقال: لا خير في الدنيا إلا الآخرة ثم التفت إلي فقال: هو أعلم بنا يصلح عباده فقلت: ما أصنع بها قال: استنفقها فهبته والله أن أراده.أخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا محمد بن علي السري عن أبي عبد الله بن بطة قال: حدثني أبو بكر الآجري قال: حدثنا أبو نصر بن كردي قال: حدثنا أبو بكر المروزي قال:سمعت أبا بكر بن أبي عون يقول: حدثنا أبو عبد الله البصري قال: حدثنا محمد بن بشاراليشكري قال: لما قدم أبو عون مصر وقتل بها من قتل واستولى على البلد أرسل إلى حيوة بن شريح: ائتني قال: فجاء فدخل عليه فقال: إنا معشر الملوك لا نعصى فمن عصانا قتلناه قد وليتك القضاء- قال -: أو آمر أهلي قال: اذهب قال: فجاء إلى أهله فغسل رأسه ولحيته ونال شيئًا من الطيب ولبس أنظف ما قدر عليه من الثياب قال: ثم جاء فدخل عليه فقال: من جعل السحرة أولى بنا قالوا منا اقض ما أنت قاض لست أتولى لك شيئًا. قال: فأذن له فرجع. توفي حيوة بن شريح في هذه السنة. الحسن بن عمارة بن المضرب أبو محمد الكوفي مولى بجيلة: حدث عن الزهري وأبي إسحاق السبيعي وأبي زهير المكي وعمرو بن دينار وغيرهم روى عنه أبو يوسف القاضي وشبابة. وولي القضاء ببغداد في خلافة المنصور ثم بعث المنصور إلى عبيد الله بن محمد بن صفوان إلى مكة من يقدم به عليه فلما قدم ولاه القضاء وضم الحسن بن عمارة إلى المهدي. أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا محمد بن عمر بن بكير النجار قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الربيعي قال: حدثنا أبو عبد الله اليزيدي قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال: حدثني جبلة بن سليمانقال: جاء رجل إلى الحسن بن عمارة فقال: إن لي على مسعر بن كدام سبعمائة درهم من ثمندقيق وغير ذلك وقد مطلني ويقول: ليس عندي اليوم فدفعها إليه الحسن بن عمارة وقال: أعط مسعرًا كلما أراد وإذا اجتمع لك عليه شيء فتعال إلي حتى أعطيك. وقد قدحوا في شقيق بن إبراهيم أبو علي البلخي كان ذا ثروة عظيمة فخرج منها وتزهد وصحب إبراهيم بن أدهم . أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا: أخبرنا حمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد البغدادي قال: حدثنا عباس بن أحمد الشاشي قال: ثنا أبو عقيل الرصافي قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الزاهد قال: قال علي بن محمد بن شقيق: كان لجدي ثلاثمائة قرية ولم يكن له كفن يكفن فيه قدم ذلك كله بين يديه وثيابه وسيفه إلى الساعة معلق يتبركون به وكان قد دخل إلى بلاد الترك لتجارة وهو حدث فدخل إلى أصنامهم فقال لعاملهم: إن هذا الذي أنت فيه باطل ولهذا الخلق خالق ليس كمثله شيء رازق كل شيء فقال له: ليس يوافق قولك فعلك فقال: كيف قال: زعمت أن لك خالقًا قادرًا وقد تعنيت إلى ها هنا لطلب الرزق قال شفيق: فكان سبب زهدي كلام التركي فرجع فتصدق بجميع ماله وطلب العلم . أخبرنا بن ناصر قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا عمر بن الحسن قال: حدثنا محمد بن أبي عمران قال: سمعت حاتمًا الأصم يقول: كنا مع شقيق البلخي ونحن مصافو الترك في يوم لا أرى فيه إلا رؤوسًا تبدر وسيوفًا تقطع فقال لي شقيق ونحن بين الصفين: يا حاتم كيف ترى نفسك في هذا اليوم تراها مثلها في الليلة التي زفت إليك امرأتك فقلت: لا والله فقال: لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثلها في الليلة التي زفت فيها امرأتي . قال: ثم نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه حتى سمعت غطيطه . عبيد الله بن أبي ليلى القاضي: توفي هذه السنة فاستقضي مكانه شريك بن عبد الله النخعي . عميرة بن أبي ناحية أبو يحيى: كان عابدًا ناسكًا دائم البكاء وكان أبوه روميًا- وتوفي عميرة في هذه السنة - سكن اليمن وقال: طلبت العلم يوم مات الحسن البصري وسمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة فما من شيء سمعته في تلك السنين إلا ومكتوب في صدري . وسمع من الزهري وغيره . وروى عنه الثوري وابن عيينة وابن المبارك . وتوفي في هذه السنة وهو ابن ثمان وخمسين سنة . موسى بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس كان من وجوه بني هاشم وأفاضلهم وهو أخو محمد وجعفر، وقدم بغداد في خلافة المنصور فتوفي بها في هذه السنة . هشام بن العلاء بن ربيعة أبو العباس وقيل: أبو عبد الله الجرشي الشامي: سمع عطاء بن أبي رباح ونافعًا ومكحولًا . روى عنه ابن المبارك ووكيع وشبابة نزل بغداد وحدث بها وولاه المنصور بيت المال وكان ثقة من خيار الناس . وتوفي في هذه السنة . هشام بن أبي عبد الله واسمه سنبر الدستوائي مولى لبني سدوس: كان شديد الخوف - من الله - كثير البكاء . أخبرنا عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا سعيد بن عامر قال: كان هشام بن أبي عبد الله قد أظلم بصره من طول البكاء فكنت تراه يبصر إليك ولا يعرفك حتى تكلمه . توفي في هذه السنة وقيل: سنة اثنتين وخمسين ومائة . وهيب بن الورد بن أبي الورد مولى بني مخزوم يكنى أبا أمية وقيل: أبا عثمان: وكان اسمه عبد الوهاب فصغر فقيل وهيب . أدرك عطاء ومنصور بن زادان وكان شديد الورع كثير التعبد وكان سفيان الثوري إذا فرغ من حديثه يقول: قوموا بنا إلى الطبيب يعني وهيبًا . أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط قال: أخبرنا ابن أبي الفوارس قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال: حدثنا أبو بكر المروزي قال: قال قادم الديلمي: قيل لوهيب بن الورد: ألا تشرب من زمزم قال: بأي دلو . قال المروزي: وسمعت عبد الوهاب الوراق يقول: قال شعيب بن حرب: ما احتملوا لأحد ما احتملوا لوهيب كان يشرب بدلوه . قال المروزي: وحدثنا أحمد بن الخليل قال حدثنا ابن عيسى قال: سمعت ابن المبارك يقول: ما جلست إلى أحد كان أنفع لي مجالسة من وهيب وكان لا يأكل من الفواكه وكان إذا انقضت السنة وذهبت الفواكه يكشف عن بطنه وينظر إليه ويقول: يا وهيب ما أرى بك بأسًا ما أرى تركك الفواكه ضرك شيئًا . أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري قال: أخبرنا أحمد بن المنصور البوشري قال: حدثنا محمد بن مخلد قال: حدثنا موسى بن هارون الطوسي قال: حدثنا محمد بن نعيم بن الهيضم قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: كان وهيب بن الورد تئن خضرة البقل من بطنه من الهزال . قال ابن مخلد: وحدثنا أحمد بن الفتح قال: سمعت بشرًا يقول: بلغني أن وهيبًا كان إذا أتي بقرصيه بكى حتى يبلهما . قال أبو بكر بن عبيد: حدثني محمد بن يزيد بن خنيس قال: حلف وهيب بن الورد ألا يراه الله ضاحكًا ولا أحد من خلقه حتى يعلم ما يأتي به رسل الله . قال: فسمعوه يقول عند الموت: وفيت لي ولم أفِ لك . توفي وهيب في هذه السنة .
|